أصبحت قاعات الزفاف الشغل الشاغل للعرسان، فالبحث عن قاعة فسيحة وجميلة في منطقة راقية أو قريبة من محطة الحافلات وبسعر معقول، بات حلما بالنسبة للكثيرين، خاصة وأن جل القاعات تم إغلاقها لعدم استيفائها للشروط الأساسية وهو ما زاد من الضغط على القاعات المتبقية والعرسان أيضا؛ فلم يعد بإمكانهم تحديدُ موعد حفل الزفاف وفقاً لرغباتهم بل صارت التواريخ تُحدد على حسب برنامج قاعة الحفلات، فعليهم انتظار اليوم الذي تكون فيه القاعة شاغرة لتنظيم أعراسهم، فموسم الأفراح هذه السنة يقتصر على شهرين فقط
وهما جوان وأوت، لذا يصبح العثور على قاعة غير محجوزة في هذه الأيام ضرباً من الخيال.
تضطر العائلات المقبلة على الأفراح هذه الصائفة إلى الاستعانة بـ"المعريفة" كي تظفر بقاعة حفلات في اليوم والتاريخ الذي ترغب فيه، أو يتوجب عليها الحجز مبكرا ودفع عربون حتى يتوافق يوم الزفاف مع التاريخ المحدد. ورغم أن أسعار قاعات الحفلات في العاصمة مرتفعة جدا وتتراوح مابين 60 و80 ألف دينار بدون خدمات إضافية أي بدون عاملات ودون تقديم وجبة العشاء فيها، إلا أن بعض العائلات تتمسك بهذا التقليد لظروف اجتماعية تتعلق أحيانا بضيق السكن
أو حب التظاهر والتفاخر، وكلما ازداد عدد الخدمات كالنادلات وطاقم الطبخ و"الديسك جوكي".. كلما ارتفع السعر أكثر ليصل لحدود 20 مليون سنتيم ويتضاعف في قاعات الحفلات الفاخرة في فنادق 5 نجوم.
ولأن تنظيم حفل زفاف في قاعة أعراس صار أمرا صعبا ومُرهقا للعروسين يتطلب بحثا كبيرا، ونظرا لأن تكاليفه باهظة تزيد ميزانية العائلات المنهَكة إرهاقا، وجد معظم العرسان في فكرة الاستغناء عنها راحة وتوفيراً للمال تحسبا للأيام القادمة، حيث تفضل بعض العائلات تحضير وجبة عشاء تدعو إليها الأهل والأصدقاء وبعدها تُزف العروس إلى عريسها وانتهى الأمر، فهذا أفضل بكثير من تبذير الأموال في حفلات ومظاهر كاذبة.
وهو ما قرره السيد "عبد الغني" الذي التقيناه أمام قاعة الحفلات "صبرينة" بحسين داي، وكان يقوم بتدوين الأرقام الهاتفية لصاحب القاعة ومتردداً في الاتصال به في وقت لاحق، يقول: حفل زفافي في نهاية شهر جوان، وقاعات الحفلات كلها محجوزة إلى غاية ليلة الشك، يستحيل أن أجد قاعة شاغرة الآن بالسعر الذي أرغب فيه ويتوافق مع ميزانيتي، لذا عزمت على استعارة شقة جيراننا لتقديم وجبة العشاء فيها وانتهى الأمر، أنا والعروس أولى بالأموال التي تُصرف على قاعة الحفلات".
وأمام ارتفاع أسعار قاعات الحفلات ومشكلة الحجوزات، وجدت بعض العائلات المقيمة في الأحياء الشعبية نفسها مجبرةً على العودة إلى أيام أعراس "زمان" فوق سطح المنزل أو العمارة بـ"الباش"، حيث أكدت خالتي "ليلى" أن جل حفلات زفاف أبنائها أقامتها داخل "باش" نصَّبته في الحي الذي تقيم فيه، ما سمح لها بترتيب ديكورها وتصفيف الكراسي وفقاً لرغبتها، وقد وفرت على نفسها عناء نقل الأواني والحلويات من المنزل إلى القاعة والوقت المهدور في ذلك أيضاً.
مضيفة أنها شعرت براحة كبيرة فكل الأهل والأصدقاء لبّوا الدعوة وشعروا براحة كبيرة على عكس قاعة الحفلات التي يملئها الصخب وتكون مقيّدة بالوقت ويجب مغادرتها أنت وضيوفك في وقت محدد، فتضطر العائلة لإنهاء الحفل باكرا وطردهم بطريقة غير مباشرة إرضاءً لرغبة صاحب القاعة.
وهكذا تراجعت موضة قاعات الحفلات التي ظلت العائلات الجزائرية تصارع سنوات لإدراجها في برنامج الأعراس لتعزف عنها تدريجياً ومن تلقاء نفسها، بعد أن شعرت أن الأعراس القديمة كانت حميمية أكثر وتزيد من روابط المحبة بين أفراد العائلة الواحدة
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire